Sonntag, 19. Juni 2011

الأسئلة المخفية عن الإسلام



الأسئلة المخفية ـ محاولة للاقتراب من الإسلام

في محاولة منه للعثور على نوع أدبي جديد، بين أدب الرحلات والتقرير الصحفي، في مزيج بين المقال والسرد الأدبي، أنتج الكاتب الألماني ستيفان فايدنر كتابا نظريا وممتعا في آن. إنه يبتعد عن التنظير الجاف والممل، لكنه في الآن ذاته لا يستسلم لإغراء الحكاية الغربية عن الشرق.
وكما ينبئ عنوان الكتاب فإن فايدنر يحاول إلقاء لمحة شاملة على العالم الإسلامي العربي. لكن المختلف هنا أنه لا يقترب من هذا العالم بخطوات استشراقية، ولو أنها استشرافية، كما يعمد أغلب الكتاب الغربيين أثناء التطرق إلى شجون هذا العالم، رغم أنه نفسه يقول: "ليس للغربي أن ينفذ تماما من النظرة الاستشراقية للشرق"، مرتكزا ربما على رؤية ادوارد سعيد لعلم الاستشراق. والحق يقال فإن فايدنر لا يحاول على غرار المستشرق أن يصف لنا هذا العالم المنكوب بالتطرف والدكتاتورية ويسرد على أذهاننا حلولا علينا اللجوء إليها للتخلص من مشاكلنا، سواء الاجتماعية، السياسية أو الدينية. إنه بالدرجة الأولى يوجه كتابه إلى الغرب، الذي يتحدر منه، لكننا في كثير من ثنايا الكتاب، نجده إنسانا شرقيا، يريد تحطيم الكليشه الغربي السائد عن الشرق. "يا له من اختبار دقيق للاسلام دون تعلّم أي شيء يفيد للوقاية من الاسلام. ليكن أن الرجل تعلم شيئا عن منطق القتلة، تعرف من جديد على الحبل العصبي لزمن مظلم يؤمن بالخرافة، الحبل الذي مازال مستمرا حتى اليوم، الذي ـ ببساطة ـ لم ينقطع قط. لكن ألا يجب على الخبير أن يُعلم برلين بتواجد حبال أخرى قديمة بدورها وموروثة من الزمن المظلم دون أن يلحظها أحد لأنها مسالمة، حبال تتشعب في المجتمع وربما تنطوي على طاقة وقوة ايجابية لا تتوافر في كل مجتمع حديث؟" (ص٣٦)، هكذا  يسخر فايدنر من "خبير في الشؤون الاسلامية" نقلته وزارة الخارجية الألمانية في آخر أيام حياته من لاووس إلى الجزائر كي "يختبر الإسلام" والجماعات الأصولية في مهدها، دون أن يتمكن من التواصل مع الناس في هذه البقاع من العالم. بل إنه يصف لنا عالما متعددا، جميلا بتعدده هذا ومسالما، كما يظهر في الفصل المكتوب عن حلب السورية. عن الأمسيات الرسمية، حيث الساسة يتباهون بحضورهم لها، وعن الجيل الناشئ، الفضولي والساعي لاستكشاف الجديد. وكما يظهر أيضا من أجواء الحروب البيروتية وتضامن، أو اتفاق البيروتيين مسيحيين ومسلمين، على معنى هيبة علمهم الوطني، فيحتار، هو ابن ألمانيا المتمرغة بعقدة الذنب التاريخي تجاه اليهود، الذي يجب عليه ألا ينتقد اسرائيل بأي شكل من الأشكال، يحتار في تبرير الموقفين الإسرائيلي والعربي: " اسرائيل، وا اسرائيلاه، لماذا تفعلين به هذا، لماذا تضعين أمامه عوائق؟ ماذا عليه أن يقول إذ يشكو منك الجميع، جميع الأصدقاء العرب؟ ثم لماذا هو، إنه لا يعرف، لا يريد ويشعر رغم ذلك أنه ملزم. شيء ما، أحد ما، يلزمه بالجواب، هو تحديدا عليه الموافقة، عليه الحكم، عليه الدفاع، لماذا هو؟" (ص ١٤٣).
لا يكتفي الكاتب بسرد معلوماته عن المدن العربية ورؤيته لها، إنما يتغلغل عميقا في وجدان قاطني هذه المدن: " ولأن الأهرامات بالنسبة لي أمر أجلّ من الشيء الذي يشاهَد هنا (وفي أية ظروف وووضع تشاهَد) فإني لم أسافر إليها ولم أرها حتى اليوم إلا من الطائرة. ثم أية أهرامات هذه، إذا كانت مرمية أمام هذه المدينة المدنسة، التي يفخر قاطنوها بالأهرامات وبنائيها، بالمصريين القدماء، وهم لا يتسمون بأي سمة من سماتهم. كشحاذ يفخر بعم فاحش الثراء، تنكر له منذ عقود. والذهاب إلى الأهرامات عبر القاهرة، كأنما يرجو أحدهم المثول بين يدي العم الثري بوساطة الشحاذ." (ص١٨٠).
 القاهرة، حلب، بيروت، الجزائر، ليست مجرد مبان تاريخية، أسواقا تعبق بتاريخ سحيق، تتراكم فيها شعوب وقبائل وثقافات متنوعة. إنما المدن بشر. بشر لهم منظومات فكرية تتشكل على أسس تاريخها السحيق هذا. ففي عنابة، وبعد أن يزول شعور المستشرق المتعالي، يلاحظ أن البشر هنا أيضا بشر، لهم أفراحهم وأتراحهم الصغيرة، بعيدا عن الأصولية والتطرف، حتى يخجل المراقب من أحكامه المسبقة (ص١١٠).

ربما لهذا يفتتح فايدنر كتابه الجميل باقتباس عن ابن عربي: "الممكن له في الوجود ذوق". فخريج الدراسات الإسلامية والآداب العربية والفلسفة، لا تشبعه التفسيرات والتحليلات المنمذجة عن لغة هذا العالم ودينه. لا يكتفي بدراسة عن بعد، بل تشده الطريقة التي ينظر بها سكان هذا العالم إلى أفكارهم. فيختلط بمثقفيه، أو أنصاف مثقفيه، بأصولييه أو مجدديه، بشعرائه ولغوييه ومؤرخيه ورجال دينه. في بيروت نرى التمزق الذي يعانيه جيل شاب من المتشاعرين: " يحاولون التشاعر، دون أن يكتبوا أو يتشاعروا، دون أن يلعبوا على اللغة، أن يفتعلوا بها، أي أنهم يخجلون من لغتهم والشعر، يحاولون إنقاذ اللغة من أنفسهم قبل الآخرين، ولهذا غالبا ما يكتفون بالصمت." (ص ١٤١ـ١٤٢). أو نرى التناقض في المواقف الغربية تجاه القضايا العربية مثلا وسوء فهم معنى الحرية في العالم العربي، وربما الفهم الحقيقي لمعناها ص١٤٦.
ربما كان أخطر ما يتعرض له فايدر هو تعرضه إلى اللغة العربية، لغة القرآن، التي يمتلك ناصيتها، فهو مترجم كم هائل من الشعر العربي للألمانية. إنه هنا يصطدم مباشرة مع رجالات الدين والمنتصرين للغتهم كلغة تعلو ولا يعلى عليها: "إذا كان القرآن عظيما، فذلك لأنه منح المسلمين الفرصة السانحة ليصنعوا من حضارتهم ما صارت إليه. .... ثم أليس الإنجاز الأعظم في أن نقبل التحدي ونسبك حقا آلافا مؤلفة من الأبيات الأجمل من آيات القرآن، الأروع، ونبقى على حال من القناعة لنقول للآخرين: "لكن القرآن في الحقيقة أكثر شعرية، لن نستطيع منافسته أبدا"، كما فعلت أجيال الشعراء من العرب والفرس والعثمانيين، هذا عوض أن نتشاجر في دوغما إعجاز القرآن؟" (ص ١٢٦ـ ١٢۷).
من العنوان العربي للكتاب نستقرئ أقل مما نستقرئه من العنوان الألماني "الغوايات المحمدية". هذا العنوان الصدامي، المثير والمقلق. القلق الذي ابتغاه  الكاتب من مؤلفه هذا. الأمر الذي قد يصدم الكثيرين في وعيهم هو وجود جيل بين رجال الدين نفسهم، خارج عن الطوق. جيل يسعى ليختط لنفسه شريعة أخرى، جيل يسبح بعكس التيار. فمن ناحية نجد الخارجين تماما عن الطوق، على غرار نصر حامد أبو زيد، هؤلاء المتمدنين، أي الذين يرتدون ثيابا مدينية، يتجولون في المدن الغربية ويأكلون ويشربون بالملعقة والسكين ولهم أسماء غربية. هؤلاء مكشوفون في وجه ما يدعى بالصحوة الدينية ويهجّرون من أوطانهم ويرغمون على تطليق زوجاتهم، فهم بينون للصديق والعدو. لكن ماذا عن أولئك الذين، يزورون بدورهم نيويورك وباريس، إلا أنهم يرتدون الجلابية ويأكلون من القصعة باليد ويتسمّون بأبي حفص، ثم يحاولون بدروهم الخروج على المنحى العام وينخرون بذلك في قاعدة الأصولية الدينية دون أن يشعر بهم أحد. أهؤلاء أصوليون وسلفيون، أم مجددون ومبدعون، أم قد يصنفهم آخرون في صف المتآمرين على الدين: "أتعلم ما معنى هذا؟ هذا لا يعني إلا أن الشريعة ليست قديسة. على العكس، فكل من يقول بقدسية الشريعة، يفتضَح. فهو يجعل من محمد إلها آخر، الله أصغر، لا يتميز عن الله إلا بأنه لا يستطيع الإتيان بالمعجزات والغفران." (ص١۷٣). وفي معارضة هؤلاء يحيلنا فايدنر على المفكرين المسلمين الذين نادوا بالحرية والمساواة والتسامح، من أمثال ابن عربي والفارابي: "الذين يسودون هناك، يسودون بإرادة المسودين ويقيمون مشيئتهم. والحق، لا فرق بين السيد والمسود." (ص١٨۷).

ستيفان فايدنر، مواليد ١٩٦۷، درس العلوم الإسلامية، الآداب الألمانية والفلسفة في جامعات غوتنغن، دمشق، بركلي وبون. ترجم الكثير من الشعر العربي إلى الألمانية ويعمل منذ ٢٠٠١ رئيسا لتحرير مجلة (فكر وفن) التي تصدر باللغات العربية والفارسية والانكليزية.

صدر له:
(الأسئلة المخفية ـ محاولة للاقتراب من الإسلام)، (الترجمة العربية) عن دار الجمل ٢٠٠٦.
الله هو اسم الرب (رحلة في عالم الإسلام) ٢٠٠٦.
فاس (الطواف) ٢٠٠٦.
لماذا يشكل الإسلام تحديا ٢٠٠٨.

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen