Sonntag, 19. Juni 2011

يد ملأى بالنجوم



"يد ملأى بالنجوم" لرفيق شامي بالعربية:
رواية الحنين لكن بعيدا من الألم العربي
مازن معروف
 
يكتب رفيق شامي بلغة سهلة، غير متكلفة أو متحذلقة. هو لا يلف اطواقا حول جملته، ولا يكثف من وصف، أو حدث او فعل. الأشياء، تبقى بسيطة كما رآها، الى حد التلقائية. فلا مغالاة في التفسير، ولا تحليل ولا مقاربات متثاقفة. لذا فإن السياق القصصي الروائي لهذا الكاتب الألماني، السوري الأصل، يبقى منوطا بمناخ الحارة الدمشقية التي يكتب عنها. فهو في روايته "يد ملأى بالنجوم"، الصادرة عن "دار الجمل"، ينتقي شخصية مراهق عمره أربعة عشر عاما، يغلب بأناه على الرواية ليعززها وليغرز أصابعه في التفاصيل اليومية، فيبدو كل ما يحصل في الحارة الدمشقية، متعلقا بالفتى أو أحد أقاربه أو معارفه، أصدقائه أو حبيبته. فما يحدث في الرواية، يبدو تفصيلا يستعرضه الكاتب بخفة، من دون الاسهاب في أسبابه أو نتائجه على المدى الطويل، الأمر الذي يخلق متتالية زمنية، تتسارع بفعل اللغة المختزلة لرواية هي على شكل مذكرات متقطعة. الزمن في روايته، وجوه وأزمنة عديدة، فهو من ناحية: الكل، أو الكتلة التي تتماسك أجزاؤها في مقابل تماسك المكان المغلق أو الواحد (الحارة الدمشقية). ومن ناحية ثانية هو زمن، مؤلف ليكون عبارة عن قطع أحجية، أو على حد تعبير شامي نفسه، "كأحجار فسيفساء"، مفككة، كل منها متناثر في مطرح من الذات أو الذاكرة. لذلك فإن تجميعها عملية صعبة، وتستلزم وحدة الفعل، بغض النظر عن الذروة الكاملة للعمل. ففي قطع الزمن الصغيرة، يبدو كل حدث أو فعل جزئي، خلية روائية لها ذروتها وانبعاثها الخاص، فيما الفعل لا يمكنه أن يستقل بذاته من دون أن يعلن الروائي ارتباطه بالفعل اللاحق، باعتماده أسلوبا سرديا رشيقاً. الزمن المخفف في الكتاب، هو الزمن الذي يأتي على دفعات أو جرعات طفيفة. كل جرعة تختصر شيئا من عمر الفتى وأحلامه وتطلعاته، أو حتى مفارقات عيشه اليومي، أو انزعاجاته، بكائه وتساؤلاته عن الحب والسفر والعائلة والوطن، الذي تبدأ السياسة بكسوته. صدرت "يد ملأى بالنجوم" رواية باللغة الألمانية قبل عشرين عاما، لينجز كاميران حوج ترجمتها إلى العربية. لاقت الرواية نجاحا منقطع النظير، وهي من الروايات القليلة جدا في الأدب العربي المعاصر، يشتمل النص فيها على الإمتاع والتشويق والجذب. هذا كلّه بأدوات بسيطة، ولغة مهذبة، أفقية لوهلة أولى، لكنها ذات عمق مستلهم من فطرية مراهق يتمعن في الأشياء، من دون أن يزعجنا كقراء. يقدم مادته الخاصة على انها جزء من حياة شخصية قد لا تعني أحدا سواه. إنها واحدة من الروايات التي قراءتها تغمس أحاسيسك بالحنين إلى المكان الأول وتشدك نحو ذكرياتك الشخصية فيما أنت تتقلب من صفحة إلى أخرى، لتحرض فيك رواية تلو أخرى. المدهش أن شامي يقتصد في سرده، مختزلا التفاصيل، ومبتعدا عن حشو النص. هو أحيانا ينتقل من مشهد عام، بعد أن يقفله، إلى تفصيل خاص جدا وعابر. وإذا كان النفس الدرامي يثقل الكثير من أعمال روائية عربية، ويسمها بسوداوية وكأنها إحدى حتميات حياتنا، فإن رفيق شامي يستطيع، بعد أن ينجز الكثير من الكتابة، ومن ثم الحذف، أن يطير بعيدا عن "الألم العربي"، لكن من دون أن ينفيه نفيا تاما. فالسياسة تحضر، والبوليس والمخابرات، لكن في المقابل تحضر الحارة السورية بطيبة أبنائها وتعاطفهم بعضهم حيال البعض الآخر. هم أشخاص بسيطون، طيبو القلب، يتشاجرون أحيانا لكن سرعان ما تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، وفي الأزمات والانقلابات، لا يكون أمامهم سوى أن يستمروا في عيشهم البسيط، في المكان الذي لا تخرج عنه الرواية. بضبط المكان، وإبقاء هوية سكانه وتوزيعهم الديموغرافي الذي لا يتغير إلا بموت العم سليم مثلا، وهو عجوز قصير البصر ونافذ البصيرة، أو ولادة إبن  الخضرجي، فإن أحداً لا يترك الحارة. لا إشارة  مثلا الى سفر أحدهم، ولا الى قدوم وافد جديد، وإنما شخصيات جديدة يكتشفها البطل المراهق، الذي في مرحلة  لاحقة، لن يعود مراهقا. وتكاد المتغيرات الحياتية التي تطرأ على أشخاص الرواية، تبدو عادية. لكن إيجازها ومزجها بالمفارقة، أو الحدث السياسي، أو التوتر الاجتماعي، كالبحث عن عمل ومحاولة ترك الحارة، والمتغيرات السياسية، والقبض على حبيب الصحافي بتهمة توزيع صحيفة "الجوارب"، يؤلفان عمودا فقريا  للعمل، يستند اليه ضمن البنية الروائية، تشكل مفارقة مدهشة. تتحرك الحوادث ضمن مستويين يتعلقان بالموقف السياسي للكاتب. الأول هو وعيه الشخصي بالمحيط. يكبر ثلاثة أعوام خلال الرواية ، لكننا لن نحدس هذا، وإنما نفاجأ به فقط في النهاية. خلال ذلك، يتمدد وعيه الخاص، أو منطقه المتعلق بالحياة بكل روافدها الاجتماعية: مقاربته المتعلقة بأمه، علاقته بالأب، وموقفه من الفرن الذي يملكه الأخير. فالإبن لا يريد أن يكون خبّازا كأبيه، لذا يبدأ بحثه عن "مستقبله" الخاص انطلاقاً من هنا. ثمة أيضاً علاقته بنادية وهي حبه المبكر، وعلاقته بحبيب الصحافي النزيه، وبصديقيه محمود وجوزف، وبالمجنون صاحب العصفور الدوري الذي يعتقل ويعذب، وبسليم صاحب الرؤية الحادة، والذي يشكل موته فاصلة درامية ضخمة في نهاية العمل، وهو الموت الذي يضاف إلى اعتقال الصحافي، ليدفع بشامي الى إبقاء النهاية مفتوحة وكأنها في انتظار كومة جديدة من المذكرات مستقبلا. أما الأمر الثاني فمتعلق بالشق السياسي، الذي يتحرك في خطين: الموقف العام وغير المباشر من الانقلابات، يظهر على لسان الناس المحيطين بالبطل، ويكون حاسما في بلورة موقف الصبي الرافض لأشكال الحكم العسكرية. أما الموقف المباشر فهو ذلك الذي يتلألأ من خلال نضج الصبي المبكر، ورغبة العمل في الصحافة وإصدار جريدة مناوئة للسلطة العسكرية: "أنا أريد الكتابة عن مجنون دمشق. فهذا المجنون يمثلنا جميعا وعصفوره الدوري يمثل الأمل. وما فعلوه به، ينوون فعله بنا جميعا". رفيق شامي، إسمه الحقيقي سهيل فاضل، ولد عام 1946 في دمشق. درس الرياضيات والكيمياء والفيزياء، وعمل مدرسا قبل أن يهاجر عام 1971 إلى ألمانيا ليعمل في ورش ومصانع، ويحوز شهادة الدكتوراه في الكيمياء العضوية المعدنية عام 1979. بعدها بثلاث سنوات، تفرغ للعمل الأدبي، ولقب بحكواتي الشرق. يؤخذ عليه بأنه كاتب باللغة الألمانية وليس العربية، ولهذا فقد حورب، غير أن أعماله ترجمت من الألمانيــة الى العربية والباسكية والصينية والدانماركية والفنلنديــة والإنكليزية والفرنسية واليونانيــة والعبرية والإيطالية واليابانية والكاتالانية والكورية والهولندية والنروجية والبولونية والإسبانية والتركية والأسوجية والصربية والسلوفينية والكرواتية. وهو منذ عام 2002، عضو في أكاديمية الفنون الجميلة البافارية، كما طبع أكثر من مليون نسخة من مؤلفاته. (عن النهار).
http://www.kikah.com/printarabic.asp?fname=kikaharabic\archive\2009\2009-07-27\60.htm&storytitle=

يد ملأى بالنجوم’ لرفيق شامي في ترجمتها العربية: الروائي حين يختفي خلف لغة مراهقة!

يونيو 21, 2009

ناظم السيد
بيروت- ‘القدس العربي’ يعيد رفيق شامي في روايته ‘يد ملأى بالنجوم’، الصادرة أخيراً عن ‘منشورات الجمل’ بترجمة كاميران حوج، تأثيث البيئة الدمشقية من خلال فتى يبلغ من العمر 14 سنة، يقرر كتابة مذكراته لأنه- كما يصرّح- بات ينسى. الفتى ابن الفرّان، المسيحي الذي يعيش في بيئة مختلطة يعيش فيها المسيحيون والمسلمون والأكراد والأرمن والكلدانيون وبعض الأشخاص من جنيسات أخرى كاليونانية والإيطالية، يقرر الكتابة كفعل ضدَّ النسيان. هكذا ومنذ الصفحة الأولى، يخبرنا المؤلف بنيته هذه: الكتابة كفعل أخلاقي، الكتابة كتمسك بالذاكرة. وعليه يضعنا المؤلف، على مدار نحو 340 صفحة من اليوميات التي تشكل مجمل الرواية، أمام عمل يوثق الحياة اليومية لإحدى الحارات الفقيرة في دمشق. هذا التوثيق سوف يشمل علاقات الناس بعضهم بعضاً، المشاعر، الثقافة، المهن، الحياة السياسية، القمع والاستبداد، الانقلابات العسكرية المتواصلة، التعليم، الاختلاطات الدينية، المسح الطوبوغرافي للبيوت الطينية، الطموحات البسيطة أو المبالغ فيها للناس البسطاء. وسوف نشهد على مدى الصفحات كيف يتوسع السرد الذي بدأ بالفتى وصديقه ابن الخامسة والسبعين العم سليم، الشخصية المحورية في هذا العمل، ليشمل مجتمعاً كاملاً، ودولة كاملة، من غير أن يغادر الروائي وشخصياته هذه الحارة الدمشقية الصغيرة. سيكون من الممتع أن نشهد هذا التنويع والتوسيع والاستثمار السياسي والاجتماعي بأدوات بسيطة وأحداث قليلة ومنضبطة ومتقشفة إلى حدٍّ ما. لم يقع رفيق شامي، طوال روايته هذه، في الخطابية السياسية وهو يقدّم صورة عن الحياة السياسية وأنظمة الحكم في سورية. طوال الرواية كنا نسمع صدى انقلابات أكثر مما كنا نشاهدها. يكفي أن نشاهد تغيرات عمرانية طفيفة لنستنتج أن ثمة انقلاباً حدث في البلد أو تغيراً طرأ في النظام السياسي. مع ذلك، فإن الرواية لدى رفيق شامي، إلى كونها أرشيفاً واقعياً أو متخيلاً، هي فعل أخلاقي. هذا الفعل لا يتم التصريح عنه بشكل مباشر بل هو مضمر تحت هذه الحفريات المتواصلة في الذاكرة سعياً لتخليد المكان. كل هذا لا يلغي أن الفن الروائي هنا يظهر كمتعة خاصة وشخصية. بدا كأنما الروائي يسرد لنفسه. يحكي لكي يشفى. يعيد على مسامعه خبريات وحكايات وطرائف ومواقف وذكريات وأشخاصاً وأمكنة من حياة سابقة وآفلة. هكذا، تتوافر ثلاثة توجهات كبرى في هذا العمل: السرد كمتعة ذاتية، السرد كذاكرة، السرد كفعل أخلاقي. ثلاثة توجهات ترك المؤلف لعمله تدبيرها من غير أن تتحول هذه التوجهات إلى شعار.
يجيد رفيق شامي الاختباء خلف شخصياته. إنه يقدّم عبارة روائية مختبرة. نحن أمام شخصيات تتكلم بحسب مهنها وثقافتها وعمرها. البطل ابن الفرّان شاب طموح يكتب الشعر ويحلم بالتغيير. الفران شخص بسيط يفضل تعليم ابنه حرفة على المدرسة. زوجته امرأة متدينة ومتواضعة. صديقه محمود شاب فكاهي يكتب مسرحيات كوميدية. حبيب صحافي نُفي وناضل وحين حكم حزبه تمَّ سجنه. نادية حبيبة ابن الفران فتاة مخلصة. والدها التحري شخص انتهازي. العم سليم صاحب حكمة ونكتة. هذه الشخصيات تتكلم وتفكر وتعيش كما رسمها المؤلف. وهي شخصيات تكاد أن تكون منفصلة عن المؤلف. إنها تتصرف تقريباً ككائنات مستقلة في النص الأدبي.
هنا يمكن القول إن ثمة مسافة بين المؤلف وشخصياته نادراً ما نجدها في الرواية العربية. ما يؤخذ فقط على هذه الشخصيات أنها راديكالية بمعنى من المعاني. إنها تعيش بين عالمين هما عالما الخير والشر. هكذا لا نعرف شيئاً عن التحري والد نادية إلا انتهازيته وحقارته. لم نره يوماً يضعف أو يمزح أو يأكل. العم سليم أيضاً دائماً يمزح ويقدّم حكمته إلى الآخرين. الصحافي حبيب نزيه وصاحب مواقف مبدئية رغم أنه عاشق مريم المتزوجة (هنا نسجل له هذه الميزة التي تناقض النزاهة السياسية والحزبية التي يتمتع بها). محمود دائماً جيد. جورج سيء. الأستاذ كاتب عطوف ومحب. إن رسماً مسبقاً لهذه الشخصيات أفقدها بعض الحيوية. هذا الرسم المسبق يصنع عادة كائنات وظيفية في العمل الأدبي. إنها كائنات تتحرك من أجل هدف محدد. هذا على الأرجح مغاير للحياة التي تبرهن تلونات في الشخصية الواحدة أكثر مما تظهره الرواية.
يعرف رفيق شامي كيف يصنع قناعاً لغوياً لشخصياته وللراوي معاً. البطل المحوري في الرواية ابن الفرّان، وهو الراوي أيضاً، يتكلم بلغة سهلة، لغة فتى في الرابعة عشرة من عمره، ينمو ويكتشف العالم من حوله خطوة خطوة وشيئاً فشيئاً. خلف هذه اللغة البسيطة، السهلة، المراهقة، يختفي جهد روائي كبير. إنه الروائي ناظراً بعين الراوي، الراوي الذي بالكاد بلغ الرابعة عشرة. ليس من السهل أن نتكلم في الاجتماع والعلاقات الإنسانية والسياسة والدين على لسان فتى مراهق. إن بطلاً مثقفاً يستطيع بسهولة أن يحمل هذا العبء. لكن رصد بلد بكامله من خلال عيني فتى مراهق ووعيه لن يكون عملاً مريحاً وموفقاً على الإطلاق.
وهذا ما فعله رفيق شامي من خلال بطله، من خلال راويه صاحب اللغة التي تختلط فيها بدايات النضج مع ترسبات الطفولة. بهذه اللغة التي هي مزيج من التفكر في الأشياء والسؤال عنها أو الاندهاش أمامها كتب رفيق شامي روايته ‘يد ملأى بالنجوم’.
ربما من السهل توجيه اتهام للروائي حول القارئ المسبق الذي يتوجه إليه الروائي، وهو القارئ الغربي. أظن أن هذه إشكالية تجب مناقشتها بحذر. لا شك في أن قارئاً غربياً خفياً يقبع في مخيلة الروائي. لكن توجيه مثل هذا الاتهام- إن صح أن هذا اتهام- ثم إدارة الظهر أمر لن يكون مقبولاً أخلاقياً. أغلب الظن أن الروائي يروي لنفسه بقدر ما يروي لقارئ غربي. هنا يمكن الاستشهاد مجدداً بالسرد بوصفه إخلاصاً للذاكرة، وإن كان إخلاصاً انتقائياً ومتخلياً في الوقت نفسه. يكتب رفيق شامي ما يعرف كتابته، ما يجيد صناعته في عمل روائي. هذه أيضاً حقيقة ينبغي التنبه لها.
أظن أن ‘يد ملأى بالنجوم’ رواية يمكن تقديمها إلى السوق الغربية كسلعة عربية منافسة. هذا حصل فعلاً قبل عشرين سنة، ولا سيما أن الكاتب ترجمت أعماله إلى 23 لغة. لكنني هنا إذ أؤكد أمراً منجزاً فلكي أقول إن رواية رفيق شامي هذه تنتمي إلى الأدب الذي يصلح للمنافسة والتداول في السوق الأدبية وليس ذلك الأدب الذي يحضر خجولاً من باب ‘الاختلاف’ الذي ينتجه الآخر المشفَق عليه دائماً.
القدس العربي
http://www.alsafahat.net/blog/?p=14584
http://81.144.208.20:9090/pdf/2009/06/06-19/qad.pdf

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen