Sonntag, 19. Juni 2011

عن أي إصلاح يتحدثون


حين بدأت الثورة السورية طالب الناس برفع اليد الأمنية عن أطفالهم وكانوا أغلب الظن سيكفون عن الحركة إذا وعى النظام السوري ما يجري حوله ولم يستمر في نظرية اختلاف سوريا عن غيرها من البلاد العربية، إلا أنه صدق فرضيته هذه وواصل إبراز قوته ظانا أن لا قوة تعلو عليها متحديا كل الوقائع والحسابات.
في رد فعل على تكبر وتجبر النظام بدأ الناس بالمطالبة بمحاسبة المسؤولين، ثم بالإصلاح الشامل حتى رفع السقف لدرجة المطالبة بإسقاط النظام. عن حق. فلماذا يخلد هذا النظام الأمني دون سواه والعالم من حولنا يمور بالتغيرات في شتى الاتجاهات. لم يظهر النظام أي ليونة بل ازداد خرقا وتصلبا، سواء من أي سلطة عليا جاء هذا التصلب، من الحمائم أو الصقور، وهذه يصعب التمييز بينها في هرم النظام السوري، فهو وحدة متكاملة بجميع الأحوال ولا يرضى أي طرف منه بفقدان جزء، مهما كان صغيرا، من سلطته التي غدت مطلقة على مدى أربعة.
في الأيام الأخيرة أيضا بدأت أصوات تدعو إلى الإصلاح من جديد، بعد أن أرهب جميع شرائح الشعب السوري بكل أطيافه. الحوارات التي تجريها الأسماء المعروفة مع ممثلي نظام زج بهم في سجونه، واللقاءات المزعومة للرئيس بشار الأسد مع ممثلي العشائر والشباب وما إلى ذلك، محاولة لإخماد النار التي دنت من قصوره خلال الأسابيع السابقة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يتكرم هذا النظام، وهو هو لم يتغير فيه شيء أو رمز (بصرف النظر عن تمثيلية الحكومة الجديدة)، بتلبية نداءات الناس بالإصلاح الذي كانوا يدعون إليه في البداية؟
عندما أبدى الأكراد بعض ملامح العصيان عام 2004 ، لنفس الدواعي التي أطلقت الشرارة في درعا عام 2011، تكرم عليهم الرئيس بوسمهم بالجزء من النسيج السوري وأطرى عليهم، مطيلا في وعود "إصلاحية" أسكتت الناس دون أن يروا لها نتيجة حتى اليوم. اللهم إصدار مراسيم تقوي من شوكة سلطات الأجهزة الأمنية وتمنع عمليا محاسبة أي عنصر مهما كان وسلب من الناس "في المناطق الحدودية" رزق عيالهم.
وها هو النظام ذاته يعيد اليوم المعزوفة العتيقة ذاتها. فهل يصدق هذه المرة. لا النظام شهد تغيرات ولا قوى الأمن التي يعتمد عليها، حتى يمكن اليوم الدندنة معهم على عزف طبولهم الحربية التي تدعو الشعب للتهدئة وإمهال السلطة كي "تسرع في الإصلاحات دون أن تتسرع". قد يؤدي منح هذا النظام فرصة أخذ الأنفاس إلى كارثة تمد في عمره جيلا آخر يأخذ الخرقة البالية ذاتها من آبائه ويفصل دساتير جديدة تكرس شعاراته إلى الأبد حقا.
إن الاقتناع بأن هذا النظام مازال قادرا على إصلاح نفسه لصالح متطلبات الشعب لا يقوم على أسس منطقية كما تدل التجارب التي مرت بها البلاد حتى اليوم. فليس من قوة بقادرة على إزاحة رامي مخلوف أو ماهر الأسد أو علي مملوك من عروشهم. دون التلميح إلى
 مكانة الرئيس ذاته، التي لم تعد واضحة اليوم وإن كان مخولا، أو قادرا، على اتخاذ أي إجراء دون مشاورة القوى التي تتحكم فعليا بمصائر الناس.
و"توجيه الأوامر بعدم إطلاق النار على المتظاهرين" في 13 / 5 ليس خطوة أولى في عملية الإصلاح المزعومة، بقدر ما تهدف للوصول إلى منطقة الجزاء وتسديد هدف آخر في مرمى الشعب، كي يتبادل المواطنون التهم إذا قتل قتيل ويمشي النظام الجليل، "السلمي"، في جنازته، وبذلك تبيض وجهها ولو قليلا من دماء الضحايا التي سقطت حتى اليوم.

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen